عندما يتحول حديثنا عن الصورة النمطية «لأم عامر».. نمطيا!

«الصورة النمطية –Stereotype» بحسب تفسيرات أجمع عليها المختصون، وأختار هنا أبسطها، هي الحكم الصادر على فئة معينة أو جماعة ما، استناداً إلى أفكار مسبقة تعتمد على التعميم والتجريد ولا تراعي الفروقات الشخصية للأفراد أو الجماعات، وتمنع هذه «الصورة النمطية»، القائمة على الجهل بالآخرين، من النجاح في مجالات معينة، بل وتصل أحياناً إلى درجة من القسوة التي تحرمهم من حقوقهم الإنسانية وصلاحياتهم الحياتية. وعادة ما تكون الأحكام الصادرة عن الصور النمطية موجهة لإقصاء عرق أو ديانة أو معتقد أو كما يتردد الحديث في أكثر من مناسبة.. تجاه الجنس.
وبطبيعة الحال والتجربة، يحدد كل مجتمع فهرسته للصور النمطية، ويعمل على حفر ملامحها بناءً على طبيعة تكوينه الثقافي والاجتماعي، وتحركه بشكل متفاوت ومتأرجح ومتبدل من خلال منظومة متكاملة لها أدواتها ووسائلها كالخطاب الديني والإعلامي، والمناهج التعليمية، والتربية الأسرية، والمراكز البحثية والفكرية.. بل حتى الأعمال الفنية والدرامية.
والسبب الذي دفعنا إلى كتابة هذا المقال هو الحاجة إلى فهم أوضح للصورة النمطية للمرأة البحرينية، وهي قضية يتكرر طرحها وتتسم طريقة تناولها بشيء من النسبية والتسطيح، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن عملية التنميط هي عملية ذهنية مستندة إلى الانطباعات الفكرية والثقافية المتراكمة عبر الزمن، وقد تبتعد مع الوقت عن توصيف الواقع وتشخيصه بشكل علمي وموضوعي، ليصل الحال أحياناً، ومن حيث لا نعلم، إلى إنتاج واقعٍ جديد مغاير للصورة الحقيقية ولنكتشف فجأة أننا محبوسون في كهوف ودهاليز تخيلية، لا نعرف طريق الخروج منها.
ويبدو لي أن إشكال فهم الصورة النمطية وحلحلتها سيبقى إشكالاً مستمراً مهما بذلت القوى المجتمعية من جهود للتخفيف من مظاهر الصورة النمطية «السلبية» تجاه المرأة لتكون أكثر «إيجابية» وواقعية ومتسقة مع حركة التغيير المستمر. ولنا حول هذا الأمر بعض التساؤلات التي نوجزها في التالي.. على أمل أن نتجاوز مع الوقت منظور رؤيتنا للقولبة والتنميط بكل اتجاهاته وعلى كل مستوياته.. إن وجدنا إجابات لها:
1- فهل نمتلك اليوم تصنيفاً واضحاً لماهية الصورة النمطية وأشكالها التي تخص المرأة بشكل عام، والتي تجعل (صورتها) الذهنية طاغية على (واقعها) العملي؟ وهل تتسبب مظاهر التنميط في خلق صورة دونية للمرأة، فيتم تصويرها مثلاً.. بالمرأة الضعيفة، والمبذرة، ومتقلبة المزاج، والعاطفية، وناقصة العقل والدين.. الخ؟
2- وهل من الممكن أن يسبب «التصور النمطي» بتركيبته الذهنية تجاه مكوّن المرأة ودورها في المجتمع، إذا لم يعالج وتفكك أحجياته، إلى حالة من التفاعلات المضادة ومن التنميط المعاكس، ويؤدي بالتالي إلى توليد ردود فعل ومواقف سلبية من طرف تجاه الآخر؟ كأن نتهم المجتمع بالتعنيف أو الهيمنة.. أو السيطرة الذكورية!
3- وهل تؤدي تبعات «التنميط» المؤدلج تجاه المرأة لدرجة من الخطورة التي من الممكن اعتبارها انتهاكاً وانتقاصاً للكرامة المؤدي إلى حرمانها من حقها في الحياة وحرية الاختيار.. كإنسان كامل الأهلية؟
4- وهل نستطيع القول بأن المجتمع قد وقف ساكناً أمام محاولات التنميط والقولبة، وخصوصاً تلك التي تثير الشك وعدم الثقة والتمييز أحياناً، ولم يسع ضمن حركته تجاه التطوير والتجديد من إيجاد «تصور نمطي» أكثر إيجابية أو حداثية لتقريب «صورة» المرأة من «واقعها»، حيث تصبح نجاحاتها، أي المرأة، أحد أهم المكاسب المعنوية التي تبحث عنها المجتمعات -في العادة- للمزيد من الانتصارات والإنجازات ضمن رحلة البناء المنطلقة إلى الأمام؟
5- وهل سنتعامل مع صورة «أم عامر» في المطبخ، و«أبو عامر» في العمل ضمن الكتب المدرسية بأنها مفهوم مغلوط في سياق المشهد الأكبر والرؤية الأوسع التي تعمل تحت نطاقها الجهود الوطنية -رسمية أو مدنية- وبأن هذا التصنيف هو سبب مربك لوعي النشء تجاه أدوارهم المستقبلية -كنساء ورجال- وعامل رئيسي في ترسيخ الصورة النمطية الظالمة للمرأة؟ وهل غفلت المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والمؤسسات الناشطة في المجال عن تقديم صورة رديفة «لأم عامر» وهي تقوم بدور آخر، ولن أقول أهم، على جبهات العمل الوطني التي انطلقت عملياتها قبل أكثر من نصف قرن؟
6- وأخيراً، هل هناك ما يعيب أن تقرر «أم عامر» أن تكون ربة لمنزلها وعاملة منتجة فيه.. وهي مهمة أساسية على الرجل أن يكون داعماً ومسانداً لها لتواصل أداء أدوارها المتعددة.. بكل هدوء وإتقان؟
وفي ضوء كل بما تقدم من تساؤلات يطول البحث عن إجابات لها، نجد أن ما تحول إلى «تنميط» هو في الواقع طبيعة وطريقة طرحنا وتحليلنا وتوصيفنا للصورة النمطية للمرأة، الذي أصبح بدوره بحاجة إلى إعادة نظر، وإعادة تقييم، وإعادة مصارحة للفصل بين ما هو «نمطي» بتأثيراته السلبية والمربكة، وبين ما قد يكون مجرد «ملمح سلبي» عابر يخص مشاركة المرأة، ومن الممكن تجاوزه إن أحسنا قراءته في سياقه الأشمل، ومن دون أن نقع في مطب التنقيص لأنماط الحياة التقليدية التي سنظل متمسكين بها جنبا إلى جنب مع أنماط الحياة الواسعة الأفق التي لا تتعامل مع النساء «كنمط واحد» والعكس صحيح بالنسبة إلى الرجل.
فخلاصة القول هنا، ان الحكمة تقتضي بأن نتجنب التعامل مع أدوار المرأة الموكلة إليها، تقليدياً، بأنها سبب لتراجعها وانعزالها والتقليل من شأنها طالما كان قرارا تملكه الأسرة وحدها، بشرط ألا يكون مقابل ذلك أي مانع أو قوة جبرية أو المزيد من التصورات الذهنية التي قد تعيق تقدمها ميدانياً لتزاول دورها في كل مواقع العمل والإنتاج، وتحت رعاية الدولة التي ضمنت لها ولأسرتها حق التوفيق بين الجانبين.
وهذا رأي متواضع كي لا تتحول صورة «أم عامر» في المطبخ إلى كابوس يقض مضاجعنا ونحذر منه كنذير شؤم يؤذن بتراجع المرأة وإذلالها.
أمين عام المجلس الأعلى للمرأة