مركز الأخبار

مركز الأخبار

21 عاماً على دسترة . . ((المواطنات))! بقلم: هالة م. ج. الأنصاري

21 عاماً على دسترة . . ((المواطنات))! بقلم: هالة م. ج. الأنصاري
15/فبراير/2022

تقف البحرين - اليوم - على مشارف عقدٍ ثالث منذ استكمال تمتع المرأة البحرينية بحقوقها السياسية – انتخاباً وترشيحاً – لتتساوى المراكز الدستورية بين المواطنين والمواطنات على صعيد أعلى مستوى من الحقوق "المواطنية" والتي تتطلب، في المقابل، أن تكون المرأة حاضرة ومستعدة وفاعلة ومشاركة في ممارسة دورها الأكبر والأشمل ضمن فضاء المشاركة العامة بكل تفصيلاتها السياسية والاقتصادية والمدنية سواءً من خلال ممثليها – أعضاء وعضوات – المجالس التمثيلية، أو من خلال انخراطها النشط في مفاصل الحياة اليومية لإثراء مقدرات هذا البلد الزاخر بأسرار النجاح والتقدم والتحضر المدني الذي هو مربط فرس تميز ((القصة البحرينية)).

 وجميعاً نتفق على أن ميثاق العمل الوطني . . قد جاء ليعيد الروح للمشاركة الشعبية، وليؤسس لنظام برلماني وبناء تشريعي استفاد من دروس التاريخ، ومهد لانطلاقة جديدة تشكلّت عبِرَها دولة المؤسسات وسيادة القانون والحكم الرشيد، وهو ما أسفر عن صدور دستور مستجيب ومتفاعل مع الإرادة الوطنية الحرة التي كانت سيدة قرارها ولا تزال.

فالميثاق - كما أحب أن أصفه - هو الرئة التي نتنفس منها أكسجين الإصلاح والتحديث وعلينا أن نحافظ على إبقاء طروحاته على طاولة النقاش الوطنية، فلا يختفي بحجة أن الإصلاح يوحي بوجود خلل! فالخلل في هذه الحالة سيكون بإطفاء شعلة "الإصلاح" كمفتاح ذهبي للتطوير والتحديث والتجديد المتزن الذي يحتاجه أي عمل تنموي. فلنتخيل هنا منزل لا تُفتح نوافذه ولا أبوابه ولا يرمم ويجدد ما راكمه الزمن!  فلنتخيل فقطّ!

وبما أن المشاركة السياسية للمرأة البحرينية قد غدت عنواناً رئيسياً من عناوين حقبة الميثاق، لتكون بمقاييس الحاضر والمستقبل، جزءاً لا يتجزأ من ثوابتنا الوطنية . . حيث لا يستقيم البناء الوطني إلا بانشغال المرأة البحرينية في تفاصيله ومجالات تطويره، فإنه يجدر بنا أن نتوقف قليلاً لإجراء بعض المراجعات، وبشيء من التمعن، لاستخلاص نتائج المرحلة ولتقييم التجربة للبناء على ما أُنجز، مع الأخذ في الاعتبار، بأن البحرين مقبلة على دورة انتخابية جديدة يجب التخطيط لها مبكراً بالنظر إلى أولوياتنا الوطنية للوصول إلى نقطة التعافي، ليس فقط مادياً، وإنما معنوياً ونفسياً بالنظر إلى ما استنزفته الجائحة من موارد وصلت حتى لأرواحنا. هذا غير ما تأتي به رياح التغيير من حولنا، الذي نرجو أن يكون سمينه أكثر من غثه، لذا علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لمواجهته بحكمة ويقظة . . فالعالم لم يعد العالم الذي نعرفه وهو يعيد ترتيب أوراقه وتوجيه مساراته، ولا نحتمل أو نقبل أن نكون خارج سياقاته.

ولنا في هذا السياق وقفات رئيسية نوجزها في التالي:

  1. من الضروري أن نضع مسألة المشاركة السياسية في سياق الحضور الأشمل للمرأة البحرينية في التنمية الوطنية وحجم انخراطها في عملياتها وأن تكون مستويات تمثيلها متسقة ومنسجمة مع حضورها المنطقي والطبيعي في ميادين العمل والإنتاج والحياة العامة، خصوصاً إذا اعتبرنا تلك الميادين مصنعاً للخبرة النوعية ومعتركاً لبناء المهارات التي يتطلبها العمل التشريعي/البلدي في ظل ابتعاد المرأة، ولربما بتعبير أصح صعوبة وصولها أو إيجادها لمسارات العمل السياسي الاحترافي والموضوعي القادر على تقديم مشاريعه وبرامجه التي لا تبتغي غير تحقيق الصالح العام.

  2. ومع حديثنا عن جزئية مشاركة المرأة السياسية، فأغلب المؤشرات تؤكد على تصنيف تجربتها بأنها أحد أكثر التجارب وضوحاً في المنطقة بحسب ما توضحه أرقام مشاركتها واستقرار معدلاتها، وكذلك تفاعل المشرع مع قضايا المرأة وأولويات الأسرة وسياسات تمكين المرأة وتقدمها. وتدلل على ذلك الكثير من الشواهد والإثباتات التي نجد آثارها واضحة من خلال النصوص التي تراعي نسب حضورها في الغرفة المعينة، وفي نسب مشاركتها كناخبة (بمعدلات تتجاوز 50% من الكتلة الانتخابية)، ناهيك عما حققته السلطة التشريعية على مستوى إنشاء اللجان النوعية ذات الاختصاص بالتوازن بين الجنسين، وبإقبال نسائها على رئاسة اللجان الرئيسية، وفي التفاعل مع قضاياها الوطنية أو عضوياتها في البرلمانات الإقليمية والدولية، وفي استثمار الدبلوماسية البرلمانية استثماراً مؤثراً للتعريف بالمستجدات الوطنية والتأكيد على المواقف البحرينية الملتزمة بالاستقرار العالمي واستعادة السلام في محيطها الإقليمي.

  3.  وهذا يقودنا للتساؤل حول كيف ستكون انعكاسات التجربة البرلمانية الحالية التي تقودها امرأة بحرينية على واقع المشاركة السياسية؟ هل سيشكل هذا الإنجاز دافعاً جديداً للمرأة البحرينية عند التفكير والإقبال على الدورة الانتخابية القادمة؟ وهل سنجد من القنوات التي ستنقل واقع الخبرة الميدانية من امرأة لغيرها من بنات جنسها؟ هل من حاجة اليوم إلى شبكة برلمانيات (من الغرفتين) لمساندة الطامحات للولوج في هذا المعترك؟

  4. وهل سنرى تنسيقاً وطنياً - "مبكراً" - بين الجهات ذات الاختصاص على المستوى الاستشاري، أو التدريبي، أو البحثي، أو التنظيمي يضبط إيقاع الانتخابات القادمة ويضع كافة الخبرات التي كونتها تلك الجهات في مكانها المناسب لتفادي الازدواجية والتداخل في الاختصاصات، وبما يُكمّل عمل كل جهة فتكون مخرجات العملية الانتخابية على القدر الذي يتمناه الوطن والمواطن لمستقبله؟

  5. أن مشاركة المرأة السياسية وإن كانت مسألة يختص بها المجتمع برمته، إلا أن المسئولية الأولى تقع على كاهل المرأة نفسها، فهي بذرة هذه الأرض التي احتضنت عطاءً ممتداً لنسائها في مسيرة تبلغ من العمر حوالي تسعة عقود، أي منذ أن فُتح المجال أمام تعليمها نظامياً وتصويتها بلدياً، لتتدرج عبر محطات تلك المسيرة تدرجاً لا يحرق المراحل، بل يتعامل مع كل مرحلة بحسب الممكن، فأثبتت ذاتها وتحدت نفسها قبل أن تتحدى محيطها، وتجاوزت بشجاعة بالغة عتبة "المحاصصة" الجنسانية ((الكوتا))، لتكون بدورها رقماً لا يستهان به ولاعباً أساسياً ومنافساً محترفاً في امتحان التطور الحضاري والتنموي.

ونختم هنا، بأن ميثاق العمل الوطني في ذكراه ينتظر منا أن نفكر كل من موقعه في ماذا بعد؟ كيف نعيد شحن الطاقات الوطنية ونشحذ الهمم لعطاء متجدد يتناسب مع أهمية الميثاق وسمو توجهاته كي ننفذ به للمزيد والمزيد من الإبداع والإنتاج متعدد الأبعاد والمستويات . . فالميثاق - في الأصل - جاء لرفعة الإنسان البحريني ولتذكيره بثرائه الحضاري وبتقدمه وعلو شأنه المقدر له، بإذنه تعالى. فنحن أبناء وبنات البحرين التي هي مهد للتنوير والإشعاع الفكري والإنساني، ومصدر تنوعنا وسماحة نفوسنا وطيب معشرنا. وسنظل، بعزمنا، محتفظين بهذه الصورة المشرقة مهما حاولت قوى الشر وأياديه الخفية أن تطمس حقيقتها التي ستبقى ناصعة في تاريخ الوطن وعلى مر الزمن . . شاء من شاء وأبى من أبى.

العودة الى مركز الأخبار