مركز الأخبار

مركز الأخبار

ميثاق العمل الوطني: مشـــروع حيـــــاة!

ميثاق العمل الوطني: مشـــروع حيـــــاة!
15/فبراير/2021

مرّ عشرون عامًا ولا تزال ذكرى ميثاق العمل الوطني تحتفظ ببريقها ووهجها كـ«بيعة تاريخية ثالثة» لها طابعها الخاص ووقعها الكبير على معنوياتنا كمواطنين، عندما أقدم جلالته على هذه الخطوة الشجاعة مطلقًا «الضوء الأول» لاستئناف الحياة البرلمانية واستكمال حقوق المرأة السياسية والتأكيد على «الثوابت البحرينية»، عبر أخذ رأي المواطنين، رجالهم ونساءهم، في استفتاء عام نال الموافقة الشعبية برغم تخوف البعض من الفكرة، وترديدهم لاحتمالات فشلها، ليخيب ظنهم، بأمر الله، مع حسم النتيجة لصالح ما يمكن اعتباره اليوم بالنظر إلى نتائجه، مشروع حياة.. والرئة التي تنفسنا من خلالها أكسجين الإصلاح والتحديث الذي تستمر قاطرته في الانطلاق.. بثبات وتدرج متزن.

وبالرغم من كل التقلبات والصعوبات التي يطول ذكرها في هذا المقام، تبقى حقيقة واحدة سيسجلها التاريخ، شاء من شاء وأبى من أبى، بأن ميثاق العمل الوطني الذي عَبِرَ بنا نحو استئناف الحياة البرلمانية الدستورية - التي هي أعلى درجات المشاركة الشعبية - وهو الحدث التاريخي الأهم، ليس في البلاد فقط، بل في جوارنا العربي أجمع.

عشرون عامًا من العمل الوطني المتصل، مرت كغمضة عين، وهي حقبة احتضنت بين طياتها سردية مهيبة لما تنبأت به ولما حققته، ولن نفيها حقها المستحق من التحليل المعمق لتلك الرؤية التي جاء بها قائد آمن بقدرات أهل البحرين، وتفاعل مع آمالهم وتطلعاتهم، وكانت، بالنسبة له، من المُسلّمات.. بل من الضروريات لانطلاقة متجددة لها اعتباراتها وظروفها وحساباتها في عقل وقلب قائد، أقسم على حماية ثوابت الأمس واليوم والغد أمام الله والوطن والتاريخ.

وبالرجوع إلى وثيقة العهد الزاهر، كما يحب أن يسميها أهل البحرين، الذي هو زاهرًا بإرادة حقيقية صلبة لم تحيد يومًا عن قيادة دفة الوطن على مسار النهضة الوطنية الشاملة التي بدأت مع ولادة الدولة البحرينية الشامخة والعريقة بعراقة من حفر دربها في عمق التاريخ على أيدي حكامها الكرام، وبشراكة كانت تتبلور ملامحها تدريجياً من خلال علاقة توثقت بدم وجهد وتضحيات، كان لا بد لها أن تكون، لحماية بذور تلك النهضة التي يتم تطويرها بشكل منطقي ومتروى مع حركة التاريخ، ونجد أبرز ملامحها ماثلة أمام أعيننا في وقتنا الحاضر، ومدللة على وجاهة ونجاح امتحان الإصلاح الوطني الذي جاء كمشروع يتجدد مع تجدد طموحات «المصلحين»، ونوجزها في التالي:

1)- إن الإصلاح هو شأن نابع من الداخل البحريني ويعبّر عن الإرادة الشعبية الحرة دون وصاية على قراراتها إلا سيادة الوطن في دولة المؤسسات والقانون واعتبارات المصلحة الوطنية العليا التي لا مساومة عليها.. مهما اختلفنا على ما هو دون ذلك.

2)- قد يكون الإصلاح السياسي ببدء مسيرة العمل التشريعي وتفعيل المشاركة الشعبية هو العنوان الأبرز للمشروع الوطني الكبير، إلا أن المشروع لم يغفل عن دعمه للمجتمع المدني البحريني، على اختلاف مشاربه، الذي يتحمل اليوم مسئولية كبرى، ليبقى كما عرفته الذاكرة الوطنية.. الضمير الحي وصمام الأمان لاستقرار واستمرار حركة الزمن وليواصل كتابة فصوله ضمن هذا المشروع، الذي سيظل نابضًا بإنجازاته على يد أبنائه وبناته.

3)- قدرة المشروع على أن يثّبتْ نفسه كمشروع تاريخي شامل، لم تأتي من فراغ، بل من تحضير واعٍ واستيعاب كامل للدروس والعبر، وبتعامله الحصيف مع مخرجات كل مرحلة من مراحله بشفافية وشجاعة وحكمة، وبالتأكيد على كونه مكسب لكل فرد، دون تمييز أو تفرقة. وقد جاء رهان المشروع في محله بأن مجتمع التسامح والتعايش والاعتدال هو المتنفس لأي إصلاح بشرط استنفار كافة قواه للحفاظ على أهم مكاسبه الحضارية، التي لا غنى لنا عنها، إن أردنا أن نبقى أقوياء ضمن حركة التاريخ التي ترفض كل متعصب ومتشدد ومتطرف مهما كانت منطلقات فكره.. فيكون نسيًا منسيًا..

4)- ويبقى الأمر الأعز على القلب هو ما قدمه المشروع من عرابين تقدير واعتزاز لدور المرأة البحرينية وعطائها الذي يصل الماضي بالحاضر.. بروح نابضة بواجب خدمة البحرين، وهي من نالت حقوقها السياسية والاجتماعية والمهنية مجتمعة تحت مظلته، لتدخل في اختبار حقيقي لقدرتها على إدارة رياح التغيير، فاستمرت في تحمّل مسئوليتها الوطنية المنطلقة من بيتها الصغير.. المحافظة على استقراره وارتقائه، وصولاً إلى عمار وطنها الأكبر.. التي تضع روحها ثمناً لحمايته. وأعتقد بأنها نجحت في الامتحان بمقاييس اليوم، وستنجح بإذن الله، في ما هو قادم، وهو ما تحرص وتؤكد عليه صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، التي سيسجل لها تاريخ بلادها، ريادتها للنهضة الوطنية الحديثة للمرأة البحرينية، وإصرارها على أن تكون المرأة.. القلب النابض للتنمية واليد المباركة في بناء الحاضر والمستقبل، وكما يتمنى لها قائد الوطن.

القائمة تطول أمام كل حريص على الوقوف أمام «القصة البحرينية» بكل ما تقدمه من شواهد ورسائل لا تخطئها العين المنصفة، وقد سمعت والدي يومًا يقول، وهو من تشرّف بأن يكون من ضمن من عملوا تحت قيادة جلالته تحضيرًا لهذا المشروع الوطني الشامل، بأن المبدأ الذي حكم مواقف البحرين تجاه التزاماتها الوطنية أو تجاه الملفات الإقليمية والدولية، هو قناعة العاهل المفدى، بأن السلام والاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا «بالتوافق بين مختلف الأطراف»، وبأن: «ليس العبرة بما تستطيع أن تهدم.. العبرة فيما تستطيع أن تبني».. وهنا نتوقف لنؤكد بأن الميثاق الذي حمل بذور التجديد.. هو مشروع حياة لن يعيشها إلا من آمن بنهجها وسنتها في الإعمار والبناء.. وكل عام والبحرين تعيش أبهى صورها وأزهى عصورها.

المصدر: بقلم: هالة محمد جابر الانصاري

 

العودة الى مركز الأخبار