مركز الأخبار

مركز الأخبار

عن وثيقة «التطلعات المستقبلية»

عن وثيقة «التطلعات المستقبلية»
17/أغسطس/2022

التمرين الحكومي الأخير الذي استغرق ما يقارب شهرين لوضع الإطار العام لبرنامج العمل الوطني القادم 2023/2026، جاء بنكهة وبأسلوب مختلف فيه الكثير من التجديد، ولن ننصف العمل حقه الموضوعي من خلال مواد إعلامية لا تتناول عمق الأشياء وجوهرها، لتلقي الضوء على حجم التغيير، وبما يتناسب، في نهاية الأمر، مع طبيعة الجهد المبذول والمنبثق من رؤية، أقل ما يمكن وصفها به، بأنها تواجه تحدياتها «بإرادة لا تقبل إلا بالريادة». ومشاركة المجلس الأعلى للمرأة في مثل هذه الملتقيات والمشاورات الحكومية، ليست وليدة اليوم، لحرص الحكومة الموقرة على الاستماع والتفاكر مع مؤسسة المجلس في مجال اختصاصه النوعي، كما هو الحال مع كافة مؤسسات الدولة على اختلاف تخصصاتها. ولكن الجديد، هذه المرة، ما رصده فريق المجلس من انطباعات واستنتاجات على ضوء ما تم من مناقشات امتازت، في عمومها، بطرح صريح من قبل ممثلي مؤسسات القطاع العام، والذي قوبل بأريحية وموضوعية وحرفية من قبل المشرفين على إدارة الجلسات والمسئولين عنه في وزارة شئون مجلس الوزراء، الذين يستحقون كل ثناء وتقدير.

ونود في هذا السياق أن نسجل الانطباعات التالية:

أولاً: تركز وثيقة «التطلعات المستقبلية» في توجهاتها العامة على سبل ومجالات الاستثمار السليم في رفاه الأسرة البحرينية ومستقبل الأجيال وتنمية الطاقات والكفاءات البشرية، وبمبادرات عملية تتناول جانب تطوير التشريعات وتحديثها وتعظيم أثرها على المجتمع، وجانب تجويد وتوسيع مظلة الخدمات المتاحة ومراعاة عدالة الوصول لها والاستفادة منها بشكل كامل. ويؤطر كل ذلك، محور خاص بسياسات ومبادرات ستعمل على المزيد من التطوير للأداء الحكومي وآليات مراقبته وطرق تقييمه تحقيقاً للصالح العام وصالح كافة المواطنين والمقيمين.

ثانيًا: تمتاز هيكلية الوثيقة بالوضوح من حيث تخصصية كل محور على حدة وارتباطه باللجان الوزارية التي أشرفت على فلترة السياسات والمبادرات من حيث اتساق مضمونها مع التوجهات الرئيسية لوثيقة العمل الحكومية، وانسجامها مع بعضها البعض لتفادي أية ازدواجية أو تقاطع، للخروج ببرنامج عمل شامل يأخذ في الاعتبار التعافي الاقتصادي والتوازن والاستقرار المالي بتدابيره المراعية لظروف المرحلة الحالية والمستقبلية. 

ثالثًا: تأكيد «التطلعات المستقبلية» على إشاعة ثقافة الابتكار والإبداع واعتبارها المدخل الرئيسي لاكتساب مهارات القرن 21، ومرتكز يجب أن تستند له مناهج التعليم وبرامج التدريب المهني والأداء الحكومي، للتحلي بالمرونة والفعالية التي تتطلبها خطط ومبادرات التعافي، ليس الاقتصادي فقط، وإنما من أجل التعافي المعرفي والثقافي والاجتماعي، التعافي في صورته الكاملة ولتنمية شاملة ومستدامة.

رابعًا: الأخذ بكافة التوجهات الحديثة المرتبطة بالتحديات العالمية ذات العلاقة بتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية وتحييد آثارها الضارة بالبيئة، وتطوير سياسات تنويع مصادر الطاقة المتجددة، ورفع مستويات الأمن المائي والغذائي والبيئي، التي تعتبر في مجملها من أكثر التحديات صعوبة أمام دول العالم، ونجد لها أولوية خاصة ضمن «التطلعات المستقبلية». 

خامسًا: لم تغفل الوثيقة الحكومية عن فرد سياسات ومبادرات تهتم بتطوير خدمات النظام العدلي للحفاظ على سمعة مملكة البحرين كوجهة مفضلة، على مستوى المنطقة، لجذب الاستثمارات واستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الخارجية أو حتى المحلية، وبما يضفي عليها صبغة التفاعل السريع والمستجيب لاحتياجات السوق ولنبض المجتمع بأفراده ومؤسساته، هذا غير ما أفردته الوثيقة لسياسات خاصة بتنويع مصادر الدخل وبالتنمية الاجتماعية والاسكانية والتعليمية والصحية وبيئة ريادة الأعمال وفرص العمل في قطاعات متجددة وواعدة.

وبعيدًا عن «عدد» السياسات والمبادرات التي اشتملت عليها وثيقة «التطلعات المستقبلية»، نرى بأن مضمون تلك السياسات وتنوع مبادراتها واتساق مواضيعها مع أولويات العمل الوطني، وقدرتها على أن تتحول إلى برنامج عمل شامل يدور في فلك احتياجات كافة فئات المجتمع وقطاعاته وشركائه ويلبي التطلعات الوطنية، هو الذي يجب التركيز عليه فيما هو قادم تمهيدًا لتقديمه كبرنامج عمل حكومي لبرلمان 2022، خصوصًا لما يرتبط بتوجهات الدولة على صعيد «استدامة الجهود الوطنية في تحقيق التوازن بين الجنسين ومتابعة تقدم المرأة البحرينية في جميع مجالات وبرامج التنمية الشاملة، وبما يؤدي إلى رفع مستويات الاستقرار الأسري والمجتمعي وإسهامات المرأة في الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تحقيق أهداف ومؤشرات النموذج الوطني للتوازن بين الجنسين كآلية معتمدة لحوكمة تطبيقات تكافؤ الفرص على المستوى الوطني». 

وفي اعتقادنا، بأن مثل هذا التوجّه المهم وما سيتبعه من جهود ميدانية، سيعزز - دون شك - من مكانة وأداء مملكة البحرين على صعيد تقدم المرأة البحرينية وتنويع إسهاماتها التنموية، بالنظر إلى حجم ما بذل ويبذل من مساعي حثيثة على هذا الصعيد، نجد دلائلها وشواهدها حاضرة في ذاكرتنا الوطنية ومتجسدة في حاضرنا النابض بسجل إنجازات المرأة المشرّف أينما تواجدت في خدمة وطنها. 

* الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة

 

 

العودة الى مركز الأخبار